سوف نتكلم اليوم عن شئ يصيبنا جميعًا بلا استثناء ، و نجده عند كل شخص و فى
كل بيت ، شئ يمسنا جميعًا لأن هذه هى سنة الحياة ، سوف نتكلم عن الهموم .
كثيرًا ما نجد شخصًا حزينًا أو مهمومًا إما لأسباب فى العمل أو المنزل أو
النفس أو الأهل ، لذا يجب أن نعرف كيف نتعامل مع الهموم و الابتلاءات التى تصيبنا
.
إن الحياة لا تخلو أبدًا من الشدائد و الابتلاءات ، فهذه هى الدنيا دار
اختبار و ابتلاء ، و علينا أن ننجح فى هذا الإمتحان .
إذا ابتُلى أى إنسان من الطبيعى أن يستقبل الأمر بحزن و يستمر لفترة فى
حالة من تقلب المزاج ، و لكن ماذا بعد ؟
إن العاقل لا يجب أن يستمر فى هذه الحالة طوال الوقت ؛ فالحزن لن يعيد لك
ما فقدته ، و لن يغير من الأحداث ، فهذا قدر ، أما حزنك على الماضى و احتراقك
بناره فهذا ضياع للحياة ، و دمار للأعصاب ، وذهاب للصحة ، و تحطيم للقلب ، و لا
تظن أنك الوحيد الذى يشكو فانظر كم من مبتلى فى هذه الدنيا ؛ فالابتلاء أمر محتوم
فيها ، إذًا لا يمكن أن نتوقف عند حدث معين و نعتبره نهاية العالم ؛ فالعالم يتحرك
و أنت واقف مكانك و يضيع عمرك ! لا يمكنك أن تفعل ذلك ، و بمجرد استيقاظك مما أنت
فيه عليك أن تفكر بطريقة صحيحة لتقرر كيف ستسير الامور ، و لكن تذكر عليك أن
تستيقظ سريعًا .
و اعلم أن لما يحدث حكمة ما ، و إذا كنت لا تعلمها أو تستحيل وجودها فتأكد
أنها موجودة ؛ فإن الله سبحانه و تعالى لا يخطئ أبدًا جل فى علاه ، فما حدث هو
اختيار الله لك ، فالله يختار لك أفضل الأشياء حتى لو كنت تراها غير ذلك ؛ فقد
يكون ما حدث بداية لشئ جديد يسعدك و ينفعك ، و قد تظن أن الله قد ابتلاك و لكنه فى
الحقيقة قد انقذك من البلاء ، و حسن اختيار الله لا نجده فى حدث معين أو موقف محدد
، و لكنه فى كل لحظة فى حياتنا و لذلك قالوا قديمًا :
ما من نفس تبديه *** إلا و لله قدر فيك يمضيه
فأحسن الظن بالله و اعلم أنه سبحانه و تعالى سيخرجك من هذه المحنة ، و تذكر
ما قيل فى الحديث الصحيح : " أنا عند ظن عبدى بى فليظن بى ما شاء " .
فاجعل ظنك بالله خيرًا تجده ، فظنك الحسن بالله من أسس العبادة السليمة ، و
ربما تجد الكثير من المواقف التى تحدث لك و تتعجب منها و تسأل لماذا ؟ و كيف ؟ و
لكن هذا هو تقدير الله فلا تسخط ، و يومًا ما ستشكر الله تعالى على ما حدث لك و
تفهم تربية الله عز و جل للعبد فهى تُعرف بالقلب و البصيرة لا البصر .
عندما أشعر بالحزن أحب قراءة هذه الآيات من سورة الأنبياء :
" وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ
الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ
وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " (الأنبياء : 83:84)
" وَذَا
النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى
فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ
الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ * و زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا
وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا
لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا
يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا
خَاشِعِينَ " (الأنبياء :
87:90)
عندما أقرأ هذه اآيات
أشعر براحة كبيرة و أذهب سريعًا للدعاء ، و أتعجب كثيرًا ممن يقرأ هذه الآيات و
يظل حزينًا لا يدرى ماذا يفعل ، فعندما تجد نفسم محاصرًا بالهموم و الأحزان الجأ
إلى الله عز و جل و ادعوه لكى يفك كربك ، و داوم على الاستغفار ليل نهار فقد قال صلى
الله عليه و سلم : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا و من كل
هم فرجًا و رزقه من حيث لا يحتسب "
و يقول تعالى : " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا
* رْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم
مِّدْرَارًا * وَ يُمْدِدْكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " (نوح :10:12)
فكم من مبتلى لزم
الاستغفار و فُك كربه ، و كم من مريض داوم عليه و شُفى ، و كم من فقير استمر عليه
و أغناه الله ، و كم من وحيد ظل يردده و رزقه الله بالزوجة و الأهل و الأصحاب ، و كم
من عقيم داوم عليه ليل نهار و رزقه الله الذرية .
فاستغفر الله ، و اتق
الله ، و أكثر من الدعاء و تضرع إليه ، و قف بين يدى الرحمن الرحيم الكريم الللطيف
الحنان المنان ، ارفع يدك بالدعاء مقبل غير مدبر و ادعوه لكى يفك كربك .
و اذكرك ببعض الأشياء
فى الدعاء و هى :
ترقب أوقات اجابة
الدعاء مثل الثلث الأخير من الليل و بين الأذان و الإقامة ، و لا تجعل الدعاء
باللسان فقط و لكن استشعر معنى ما تقوله و اجعل قلبك حاضرًا لتكون دعوة صادقة .
و لكن احذر لا تستعجل
اجابة الدعاء قال صلى الله عليه و سلم : " يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول
دعوت و لم يُستجب لى " (رواه البخارى)
و لا تقل لم أر أى
نتيجة فلاستجابة الدعاء ثلاث صور :
1)
أن يُستجاب الدعاء و يمكن أن تكون الإجابة بعد وقت قصير أو طويل فأنت
لا تعلم أين الخير .
2)
أن يرفع الدعاء بلاء آخر و يتعاركا فى السماء فلا ينزل البلاء و لا يُرفع
الدعاء .
3)
أن يُؤخر إلى يوم القيامة و تُؤجر به حسنات ، و وقتها عندما يرى
المؤمون كم الحسنات الكثيرة فسيتمنون لو لم تُستجب لهم أى دعوة فى الدنيا .
و هكذا ففى جميع الأحوال أنت المستفيد ، فاسأل الله الذى بيده كل شئ ،
و لا تسأل الناس فهم لا يستطيعون فعل أى شئ إلا بإذن الله الذى سيسخر لك كل شئ ، و
لتقرأ قول الشاعر :
الله يغضب إن تركت سؤاله ** و بنى آدم حين
يُسأل يغضب
لا تسألن بنى آدم حاجة ** و سل الذى أبوابه
لا تُحجب
و أنا لا أقصد أن تبتعد عن الناس فسوف تجد الناصح الأمين الذى سيساعدك
بإخلاص أما الباقون فلا فائدة منهم .
و عليك بهذا الدعاء :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما أصاب عبدًا هم و لا
حزن فقال : " اللهم إنى عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك ناصيتى بيدك ، ماض فى
حكمك ، عدل فى قضائك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته فى كتابك ،
أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عنك أن تجعل القرآن ربيع قلبى
، و نور صدرى ، و جلاء حزنى ، و ذهاب همى " إلا أذهب الله عنه حزنه و همه و
أبدله مكانه فرحًا " (رواه أحمد)
و إن شاء الله ستجد الفرج قريبًا حتى لو تعقدت الأمور و وصلت إلى
ذروتها ؛ فالله لايؤخر أمرًا إلا لخير ، و لا يحرمك أمرًا إلا لخير ، و لا ينزل
عليك بلاء إلا لخير فلا تحزن فالله لا يأتى إلا بخير ، و تذكر حديث الرسو صلى الله
عليه و سلم " و اعلم أن اليسر مع الصبر ، و ان الفرج مع الكرب " (صحيح)
و قوله تعالى : " و لسوف يعطيك ربك فترضى " .
و لا تيأس مهما كانت الظروف و الأحوال فالفرج قريب و الإمام الشافعى
قال :
و لرب نازلة يضيق لها الفتى ** ذرعًا و عند
الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ** فرجت و كنت
أظنها لا تُفرج
لذا ابتسم ؛ فرزقك مقسوم ، و قدرك محسوم ، و أحوال الدنيا لا تستحق
الهموم ؛ لأنها بين يدى الحى القيوم
فكم لله من لطف خفى ** تخفى ثناياه عن عقل
الذكى
و كم من يسر أتى بعد عسر ** ففرج كرب القلب
الشقى
و كم من أمر يضيق به المرء ** نهارًا
فتأتيه المسرة بالعشى
إذا ضاقت بك الأحوال يومًا ** فثق بالله
الواحد العلى
و دمتم فى رعاية الله
بقلم :
آية حسنى