تُعتبر الكلمة من أهم الأشياء فى حياتنا ، فنحن لا يمكن ان نعيش وحدنا فى
هذه الدنيا ، و لكى نتعامل مع الناس و نتواصل معهم نحتاج إلى الكلمة التى بها نعبر
عما بداخلنا و ما نحتاج و ما نريد .
و الكلمة فى حد ذاتها تعكس شخصية صاحبها ، و تدل على أخلاقه ، أفكاره ، و
معتقداته و لذلك قال الأمام على رضى الله عنه : " تكلموا تُعرفوا ؛ فإن المر
مخبوء تحت لسانه " ، و أعتقد أنه لا يوجد أدنى شك فى أهمية و خطورة الكلمة
فهى تؤثر على مشاعرنا ، قراراتنا ، و أفعالنا و تحدد مسار حياتنا و أيضًا تؤثر على
ردود أفعال الناس تجاهنا .
لذلك كان علينا أن نهتم لما نقول فكان ابن عباس رضى الله عنه يمسك لسانه و
يخاطبه قائلاً : " قل خيرًا تغنم .. أو اسكت عن شر تسلم .. و إلا فاعلم أنك
ستندم " و قال صلى الله عليه و سلم : " .... من كان يؤمن بالله و اليوم
الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت ... " (رواه البخارى)
لذا ينبغى أن نتخير الكلمة الطية فى حديثنا .
فالكلمة الطيبة ثمرة نقطفها من القلب و نهديها لمن نحب فهى جواز المرور لكل
قلب ، لأنها تغلق باب الكره و تفتح باب الود ، تسعد القلوب و تريح النفوس ، يحصل
بها النفع و الخير ، و لأهميتها و عظمتها يقول الله تعالى : " أَلَمْ تَرَ
كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا
ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء "
(إبراهيم :24)
و مهما وصل الإنسان
إلى أعلى المناصب فهو دائمًا يحتاج إلى من يدعمه و يُثنى عليه ؛ فالإنسان بطبعه
يحب أن يكون مصدرًا للإعجاب أو العون و يحب الحصول على التقدير المعنوى من قبل
الآخرين فالمادة ليست كل شئ ، و فى لحظات الفرح و الحزن يكون للكلمة الطيبة أثر
عجيب فى النفوس ، و كلنا و بدون استثناء الكبير و الصغير ، الرجل و المرأة ، الغنى
و الفقير كلنا نحتاج إليها فى هذه الأوقات ، و لك أن تتذكر موقف انتظرت فيه كلمة
طيبة من شخص ما ، سواء كانت تهنئة ، دعم ، شكر ، ثناء ، مواساه ، و تخيل كيف كان
إحساسك وقتها ، ألم تشعر بالسعادة من أجل هذه الكلمة حتى لو كانت بسيطة ؟
فتكفى كلمة جميلة
رقيقة لا تؤذى النفوس و لا المشاعر ، جميلة اللفظ و المعنى نكون محتاجين إليها
فتأتى و تطرب القلوب ، و حتى و إن كانت كلمات قليلة فى عددها فإنها ستكون عظيمة فى
محتواها .
و من لانت كلمته وجبت
محبته ، و من عذب لسانه كثر إخوانه ، لذلك يجب أن نحرص على تأصل الكلمة الطيبة فى
نفوسنا ؛ لأنها تسعد قائلها و سامعها ؛ فهى كاللمسة الحانية على نفوس البشر ، و
دواء يأتى لامتصاص الغضب و الحقد ؛ لخروجها من القلب و استقرارها فى قلب سامعها ،
فهى تخاق جو يفيض بالألفة .
أما الكلمة الخبيثة
فهى تربى التنافر و التباعد داخل النفس ، و تثير الغضب و الحقد و الكراهية بين
الناس و لذلك فإن الشيطان يتخذها كوسيلة لنشر الفرقة و العداوة بين الناس ، و تكون
هى شرارة الفتنة ؛ فقد تكسر الحجارة و العصى عظامنا .. لكن الكلمات السيئة تكسر
قلوبنا ، و أخطأ من قال أن الكلمات تموت بمجرد أن تُقال ؛ فهى فى الحقيقة تبدأ
الحياة منذ اللحظة التى قيلت فيها بل يصبح صاحبها أسيرًا لها بعد أن كانت أسيرة له
.
و لسوء الكلمة
الخبيثة التى تثير التشاحن يقول سبحانه و تعالى : " وَمَثَلُ
كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا
لَهَا مِن قَرَارٍ " ( إبراهيم :
26)
و لك أن تقرأ هذه
القصة :
منذ زمن بعيد كان
هناك طفل مستواه الدراسى ضعيف فذهب إلى فبر أمه و قال تعالى يا أماه معى فإن
المعلمة دائمًا تضربنى و أمام جميع التلاميذ تبكينى و تقول لى دائمًا : أمك امرأة
مهملة فهى لا تهتم بك . !
فيا بن آدم زن كلامك
قبل أن يقتل غيرك ، و لا تفعل مثل هذه المرأة التى بدأت فى إلقاء التهم على الطفل
و أمه دون أن تحاول مساعدته أو معرفة ظروفه و التماس أى عذر له .
فأنت رائعة كلمة تجعل
امرأة عادية تسير كالطاوس بين حشد من النساء ،
و أنت غبى كلمة قد
تكسر همة طفل نبيه ، و تقفل أبواب عقله عن الاستيعاب ،
أنت ساذج كلمة قد
تجعل إنسان طيب القلب إلى إنسان شرس قاسى القلب ،
و أنت قادر كلمة قد
تحرض معاق على كسر كل حدود الاعاقة بما يعجز عنه الأصحاء .
فهى كلمة قد تشكل من
أنت أو تغيرك إلى من ليس أنت ، فاختر كلماتك بدقة ؛ فبعض الكلمات تترك أثرًا طويل
المدى .
و لكى تكون الكلمة
الطيبة سلوك متأصل فينا ينبغى أن يفكر الشخص فى الكلمة قبل أن يقولها ، و أن يضع
نفسه موضع المستمع ، و أن تكون الكلمة فى موضعها و وقتها المناسب ، و إياك أن
تتكلم و أنت غاضب حتى لا تفسد الأمور و تندم بعد ذلك .
و إن لم تستطع فعل
ذلك فى أى مرة فالأفضل أن تلتزم الصمت مادام الموضوع ليس مرتبط بإظهار حق أو دحض
باطل .
و تذكر كلام عمر بن
عبد العزيز فى هذا الصدد فقال : " من لم يعد كلامه من عمله كثرت خطاياه
" .
و نصيحة لك لا تكثر
من الكلام إلى حد الثرثرة فلنشاط السامعين نهاية ، و لكن لا تظل صامتًا دائمًا حتى
لا ينفر الناس منك و كن وسطًا .
فيجب أن نحترم تأثير
الكلمات و أن نختارها بعناية و تأكد أن استقامة اللسان منبع الحياة و من يصن لسانه
فقد صان حياته .
و حب الآخرين و
المشاعر المتدفقة الصادقة تقرب الناس منا ، و المدح الصادق الغير مبالغ فيه و الذى
نمنحه لمن يستحق يبعث الدفء فى القلب ، و له وقع جميل على النفس ، و فى النهاية
ستكون المتعة لصالح الجميع فلو ضاعت المحبة منا و الكلمة الطيبة لضعنا فى هذه
الحياة ، و من أحبه الله حبب الناس فيه .
و دمتم فى رعاية الله
بقلم :
آية حسنى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق