الجمعة، 15 مارس 2013

ضاقت فلما استحكمت ... فرجت





سوف نتكلم اليوم عن شئ يصيبنا جميعًا بلا استثناء ، و نجده عند كل شخص و فى كل بيت ، شئ يمسنا جميعًا لأن هذه هى سنة الحياة ، سوف نتكلم عن الهموم .
كثيرًا ما نجد شخصًا حزينًا أو مهمومًا إما لأسباب فى العمل أو المنزل أو النفس أو الأهل ، لذا يجب أن نعرف كيف نتعامل مع الهموم و الابتلاءات التى تصيبنا .
إن الحياة لا تخلو أبدًا من الشدائد و الابتلاءات ، فهذه هى الدنيا دار اختبار و ابتلاء ، و علينا أن ننجح فى هذا الإمتحان .
إذا ابتُلى أى إنسان من الطبيعى أن يستقبل الأمر بحزن و يستمر لفترة فى حالة من تقلب المزاج ، و لكن ماذا بعد ؟

إن العاقل لا يجب أن يستمر فى هذه الحالة طوال الوقت ؛ فالحزن لن يعيد لك ما فقدته ، و لن يغير من الأحداث ، فهذا قدر ، أما حزنك على الماضى و احتراقك بناره فهذا ضياع للحياة ، و دمار للأعصاب ، وذهاب للصحة ، و تحطيم للقلب ، و لا تظن أنك الوحيد الذى يشكو فانظر كم من مبتلى فى هذه الدنيا ؛ فالابتلاء أمر محتوم فيها ، إذًا لا يمكن أن نتوقف عند حدث معين و نعتبره نهاية العالم ؛ فالعالم يتحرك و أنت واقف مكانك و يضيع عمرك ! لا يمكنك أن تفعل ذلك ، و بمجرد استيقاظك مما أنت فيه عليك أن تفكر بطريقة صحيحة لتقرر كيف ستسير الامور ، و لكن تذكر عليك أن تستيقظ سريعًا .

و اعلم أن لما يحدث حكمة ما ، و إذا كنت لا تعلمها أو تستحيل وجودها فتأكد أنها موجودة ؛ فإن الله سبحانه و تعالى لا يخطئ أبدًا جل فى علاه ، فما حدث هو اختيار الله لك ، فالله يختار لك أفضل الأشياء حتى لو كنت تراها غير ذلك ؛ فقد يكون ما حدث بداية لشئ جديد يسعدك و ينفعك ، و قد تظن أن الله قد ابتلاك و لكنه فى الحقيقة قد انقذك من البلاء ، و حسن اختيار الله لا نجده فى حدث معين أو موقف محدد ، و لكنه فى كل لحظة فى حياتنا و لذلك قالوا قديمًا :
ما من نفس تبديه *** إلا و لله قدر فيك يمضيه
فأحسن الظن بالله و اعلم أنه سبحانه و تعالى سيخرجك من هذه المحنة ، و تذكر ما قيل فى الحديث الصحيح : " أنا عند ظن عبدى بى فليظن بى ما شاء " .

فاجعل ظنك بالله خيرًا تجده ، فظنك الحسن بالله من أسس العبادة السليمة ، و ربما تجد الكثير من المواقف التى تحدث لك و تتعجب منها و تسأل لماذا ؟ و كيف ؟ و لكن هذا هو تقدير الله فلا تسخط ، و يومًا ما ستشكر الله تعالى على ما حدث لك و تفهم تربية الله عز و جل للعبد فهى تُعرف بالقلب و البصيرة لا البصر .

عندما أشعر بالحزن أحب قراءة هذه الآيات من سورة الأنبياء :
" وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ " (الأنبياء : 83:84)
" وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَفَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ * و زَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " (الأنبياء : 87:90)

عندما أقرأ هذه اآيات أشعر براحة كبيرة و أذهب سريعًا للدعاء ، و أتعجب كثيرًا ممن يقرأ هذه الآيات و يظل حزينًا لا يدرى ماذا يفعل ، فعندما تجد نفسم محاصرًا بالهموم و الأحزان الجأ إلى الله عز و جل و ادعوه لكى يفك كربك ، و داوم على الاستغفار ليل نهار فقد قال صلى الله عليه و سلم : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا و من كل هم فرجًا و رزقه من حيث لا يحتسب "
و يقول تعالى : " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * رْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا " (نوح :10:12)

فكم من مبتلى لزم الاستغفار و فُك كربه ، و كم من مريض داوم عليه و شُفى ، و كم من فقير استمر عليه و أغناه الله ، و كم من وحيد ظل يردده و رزقه الله بالزوجة و الأهل و الأصحاب ، و كم من عقيم داوم عليه ليل نهار و رزقه الله الذرية .
فاستغفر الله ، و اتق الله ، و أكثر من الدعاء و تضرع إليه ، و قف بين يدى الرحمن الرحيم الكريم الللطيف الحنان المنان ، ارفع يدك بالدعاء مقبل غير مدبر و ادعوه لكى يفك كربك .

و اذكرك ببعض الأشياء فى الدعاء و هى :
ترقب أوقات اجابة الدعاء مثل الثلث الأخير من الليل و بين الأذان و الإقامة ، و لا تجعل الدعاء باللسان فقط و لكن استشعر معنى ما تقوله و اجعل قلبك حاضرًا لتكون دعوة صادقة .

و لكن احذر لا تستعجل اجابة الدعاء قال صلى الله عليه و سلم : " يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول دعوت و لم يُستجب لى " (رواه البخارى)

و لا تقل لم أر أى نتيجة فلاستجابة الدعاء ثلاث صور :
1)   أن يُستجاب الدعاء و يمكن أن تكون الإجابة بعد وقت قصير أو طويل فأنت لا تعلم أين الخير .
2)   أن يرفع الدعاء بلاء آخر و يتعاركا فى السماء فلا ينزل البلاء و لا يُرفع الدعاء .
3)   أن يُؤخر إلى يوم القيامة و تُؤجر به حسنات ، و وقتها عندما يرى المؤمون كم الحسنات الكثيرة فسيتمنون لو لم تُستجب لهم أى دعوة فى الدنيا .
و هكذا ففى جميع الأحوال أنت المستفيد ، فاسأل الله الذى بيده كل شئ ، و لا تسأل الناس فهم لا يستطيعون فعل أى شئ إلا بإذن الله الذى سيسخر لك كل شئ ، و لتقرأ قول الشاعر :
الله يغضب إن تركت سؤاله ** و بنى آدم حين يُسأل يغضب
لا تسألن بنى آدم حاجة ** و سل الذى أبوابه لا تُحجب
و أنا لا أقصد أن تبتعد عن الناس فسوف تجد الناصح الأمين الذى سيساعدك بإخلاص أما الباقون فلا فائدة منهم .

و عليك بهذا الدعاء :
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ما أصاب عبدًا هم و لا حزن فقال : " اللهم إنى عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك ناصيتى بيدك ، ماض فى حكمك ، عدل فى قضائك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته فى كتابك ، أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عنك أن تجعل القرآن ربيع قلبى ، و نور صدرى ، و جلاء حزنى ، و ذهاب همى " إلا أذهب الله عنه حزنه و همه و أبدله مكانه فرحًا " (رواه أحمد)

و إن شاء الله ستجد الفرج قريبًا حتى لو تعقدت الأمور و وصلت إلى ذروتها ؛ فالله لايؤخر أمرًا إلا لخير ، و لا يحرمك أمرًا إلا لخير ، و لا ينزل عليك بلاء إلا لخير فلا تحزن فالله لا يأتى إلا بخير ، و تذكر حديث الرسو صلى الله عليه و سلم " و اعلم أن اليسر مع الصبر ، و ان الفرج مع الكرب " (صحيح) و قوله تعالى : " و لسوف يعطيك ربك فترضى " .

و لا تيأس مهما كانت الظروف و الأحوال فالفرج قريب و الإمام الشافعى قال :
و لرب نازلة يضيق لها الفتى ** ذرعًا و عند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها ** فرجت و كنت أظنها لا تُفرج
لذا ابتسم ؛ فرزقك مقسوم ، و قدرك محسوم ، و أحوال الدنيا لا تستحق الهموم ؛ لأنها بين يدى الحى القيوم

فكم لله من لطف خفى ** تخفى ثناياه عن عقل الذكى
و كم من يسر أتى بعد عسر ** ففرج كرب القلب الشقى
و كم من أمر يضيق به المرء ** نهارًا فتأتيه المسرة بالعشى
إذا ضاقت بك الأحوال يومًا ** فثق بالله الواحد العلى



و دمتم فى رعاية الله


بقلم :
آية حسنى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق