نرى كل يوم الكثير من الأشياء منها ما نقبله و منها ما نرفضه و قد يستحق
النقد ، و يحدث ذلك معنا دون استثناء ، و بالتالى و جود النقد قى حياتنا شئ أساسى
؛ لأنه حتى لو تغاضينا عن بعض الأشياء هناك أشياء أخرى لا يمكن إهمالها أو السكوت
عنها و نضطر لإعطائها النقد اللازم ؛ لتصحيح بعض الأوضاع أو تجنب الحرج و سوء
التفاهم فى حالات أخرى ، و لكن لكل شئ أصول و قواعد ، فلا يمكن أن نتفوه بكلام
جارح أو نتحدث بصورة خاطئة أو مسببة للإحراج تحت مسمى النقد ، فالنقد فن و أسلوب
لا يتقنه إلا القليل ، و إذا أتقنت هذا الفن فأنت بذلك أصبحت تملك كنزًا ؛ لأنك
بذلك تمكنت من التعبير عن رفضك للشئ و نقدك له و لكن دون أن تغضب أحدًا ، و سيتمنى
الجميع نصيحتك و رأيك ؛ لأنك تقول الحقيقة و لكن دون تجريح أو تثبيط .
و لكن قد تكون بارع فى فن النقد ، و لكن بمجرد اعتراض أى شخص على ما تفعل
تثور و تغضب و تهاجم محدثك ، و بالتالى يجب أيضًا أن تعرف كيف يمكنك تقبل النقد
بصورة صحيحة و التعامل مع النقد البناء و الهدام .
تعلم فن النقد :
1)
فى البداية يجب أن تعرف أنك تنتقد سلوك معين
فى الشخص و ليس الشخص ذاته .
2)
الشخص محب لذاته ، و النقد الهدام أو الشديد
يهدم ذاته و بالتالى يجعله رافضًا لكل ما تقول ، فبين له أنك تحترم ذاته و ترى
فيها الكثير من الأمور الجيدة .
3)
احرص على أن يكون نقدك لأخيك بينك و بينه دون
حضور الآخرين ؛ فحضور أشخاص لا علاقة لهم بالأمر قد يجعل الشخص متمسكًا برأيه حتى
و لو كان نقدك صحيح ، فمن وعظ أخاه فى السر فقد نصحه و من وعظه فى العلن فقد فضحه
.
4)
من أهم الأساليب فى النقد و هى محببة إلى
القلب أن تبدأ أولاً بذكر بعض إيجابيات الشخص ثم تنتقل بعدها إلى الأمر السلبى
الذى تود انتقاده ، فأنت بذلك تجعل من الإيجابيات مدخلاً سهلاً للنقد ؛
فالإيجابيات تفتح القلب قبل الأذن و تجعل الشخص مستعدًا لسماع قولك . و احرص على
ألا يكون نقدك هادم لكل إيجابيات الشخص و نسفها فى لحظة غضب .
5)
إذا كنت تعتقد أن من أمامك لا إيجابيات له ،
فاعلم أن ظنك خاطئ ؛ فحتى و لو كان يملك الكثير من السلبيات فبالتأكيد له إيجابيات
و لو قليلة فانتبه لها .
6)
حاول أن تكون عادلاً و منصفًا فى نقدك و لا
تجعل غضبك يحولك من العدل إلى الجور .
7)
اعطه فرصه للدفاع عن نفسه و لا تكتفى بما
عندك من أفكار فإذا أردت العدل و الإنصاف فاترك له فرصة الدفاع عن نفسه .
8)
يقول جعفر بن محمد : " إذا بلغك عن أخيك
الشئ تنكره فالتمس له عذرًا واحدًا إلى سبعين عذرًا ، فإن أصبته ، و إلا قل لعل له
عذر لا أعرفه " فالتمس له عذرًا فقد
يكون مجبورًا أو ناسيًا أو جاهلاً بالشئ .
9)
لا تفتح الدفاتر القديمة فتأتى بالقديم مع
الجديد و ينقلب الأمر إلى شجار لا لزوم له ؛ لأنك بذلك قد تثير الطرف الآخر و يرفض
سماعك و أيضًا يضعك هذا الأمر فى صورة الشخص الغير متسامح و لا ينسى أخطاء الغير ،
فدع القديم فقد فات و اهتم الآن بالجديد الذى هو محل النقد .
10)
لا تنتقد و تكتفى بهذا الأمر بل يجب أن تعطى
للطرف الآخر الحل و كيف يتجنب وقوع هذا الخطأ مرة أخرى .
11)
انتق كلامك و أسلوبك فأنت هنا تحاول كسب
مسامع الطرف الآخر ، و لا تجعله يتذمر من كلامك حتى تصل إلى غايتك فى توصيل ما
تريد له .
12)
راع فى كلامك مكانة من توجه له النقد ، فإذا
كان هذا النقد لأبويك يقول تعالى : " فَلاَ تَقُل
لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا " ، و إن كان شخص كبير فى العمر أو ذو
مكانة فمثلاً تقول : أنتم أكثر منى خبرة و أكبر منى سنًا و لكن معى كل حبى و
احترامى أرى أن نعدل عن هذا الأمر \ أو ما تذهبون إليه صحيح و لكن فى وجهة نظرى \
أو بكل تواضع أرى أن هذا الموضوع غير مناسب .
13)
ما تكفيه الكلمة لا تعمقه أنت بالتوبيخ و
التأنيب ، و اجعل أسلوبك معتمد على شخصية محدثك ، فناك من يظل يجادل و لا يعترف
أبدًا ، و هناك من يرفع الراية البيضاء من أول لحظة ، و هناك من هو بين هذا و ذاك
. و يمكن استخدام كلمات مثل : ألم تفكر فى الأمر ؟ ألا تستحى ؟ .... إلخ .
14)
تعلم من خبراتك السابقة فى النقد فبالتأكيد
انتقد أحدًا من قبل أو انتقدك أحدهم ، و هنا يجب أن تستفيد مما حدث لك ، و اعرف ما
يحفز و يشجع و ما يثير الغضب ، و ما هى أخطائك فى النقد ، و طبق ذلك أثناء نقدك .
15)
لا تكن صيادًا لسقطات الشخص حتى لا ينفر من
حديثك و يشعر أنك تنتظر السقطات لتعلق عليها فاليسير اتركه من أجل الأمر المهم .
16)
اجعل الابتسامة هى نهاية نقدك و المقصود منها
أن يشعر من تنتقده بالود و الصفاء من جانبك ، و أنك تعلم أن ما حدث دون قصده .
و أحب أن اذكر المنتقدين بقول الرسول صلى الله عليه و سلم : " يبصر
أحدكم القذاه فى أعين أخيه و ينسى الجذل - أو الجذع - فى عين نفسه " (رواه
البخارى و صححه الألبانى) فقبل أن تشغل نفسك بعيوب الآخرين انتبه لعيوبك أولاً .
كيف تتآلف مع النقد :
كثير منا يكره النقد و يشعر بثقله و يبدأ فى الدفاع عن نفسه بمجرد سماعه له
، فهو يشعر أنه انتقاص لذاته .
لكننا لا يمكن أن نعيش بدونه ؛ فهو يرينا عيوبنا التى نتغافل عنها و لا
ننتبه لها .
و النقد نوعان : نقد بناء و هو الذى يخلو من التجريح الشخصى و يشيد
بإيجابيات العمل و بعدها يلتفت للسلبيات و لكن دون مبالغة و مغالاه ، و يحاول وضع
الحلول المناسبة ، فهو يساعدك على معرفة عيوبك و مساعدك فىى إصلاح الأمر .
و نقد هدام و هو ذلك النقد الذى يحول النقص فى الشئ إلى طريق للنيل من شخصه
و الاساءة إليه و بالتالى قد يصيبك بالاحباط ، و لكن تذكر جيدًا أن الشجرة المثمرة
هى التى تُلقى بالحجارة .
كيف تتعامل مع نقد الآخرين :
· استمع بحيادية فذلك يجعلك تعرف ما لك و ما عليك و يظهرك قوى متماسك فلا أنت
المستسلم و لا المجادل .
· اطرح بعض الأسئلة لتحدد موضوع النقد .
· قد يكون النقد مبالغ فيه و لكن بالتأكيد هناك سبب لخروجه .
· يجب أن تعرف هل الناقد فعلاً يود المساعدة أم تحت ضغط أم تم توصيل له صورة
خاطئة .
· راع أن الناقد قد يكون تعود على أسلوب معين فى النقد و لا يعرف غيره ، حتى
لو كان هذا الأسلوب يضايقك ، و خصوصًا إذا كان الناقد من المقربين لك .
· ركز على المحتوى و الفكرة لا أسلوب الكلام .
· اطلب النصيحة منه فى كيفية التعامل مع الأمر ، فعندما تجعله طرفًا فى الأمر
سيتغير أسلوبه .
· اجعل من النقد دافعًا لك لتطور من ذاتك و تصلح أخطائك ، حتى و لو كان النقد
بأسلوب يزعجك .
· لا تتعجل بالرد ، و خذ وقتك فى التفكير ، فليس المهم هو إسكات الطرف الآخر
و لكن معرفة الحقيقة ، و لا تهتم إذا ظهر فى الكلام استهزاء أو سخرية و كن واثقًا
فى نفسك .
· إذا غضبت من كلام الناقد فلا تصب غضبك على شخص آخر فتفتعل بذلك مشكلة جديدة
، و لكن إذا أردت صبه على شئ يمتص غضبك .
· بعد انتهاء الحديث حاول أن تعيد عليه ملخص لما قال لتبين له فهمك لما قال و
لتتأكد من مقصده و لا تأخذ كلامه على محمل آخر .
· فى نهاية الحوار أشكر محدثك لما فادك به من معلومات ، و ذلك أيضًا سيخفف من
حدة نقده لك بعد ذلك .
و أود أن اذكرك عزيزى القارئ أنه لا يجب أن
تكون حساسًا للنقد و تجعل كل كلمة نقد سلبية تقلب حياتك ، و لا تود إلا سماع كلمات
المدح ، و أيضًا لا تكن متكبرًا رافضًا لكل كلمة و تقابلها بالهجوم و العداوة ،
فيجب أن توازن بين الأمرين فتكون واثقًا من نفسك و لكن لك صدر رحب يستمع لجميع
الآراء ، و لا تهتم بتلك الفئة التى تود هدم أى نجاح لك فكما يقول شوبنهاور : ذوو
النفوس الدنيئة يجدون المتعة فى البحث عن أخطاء رجل عظيم .
و دمتم فى رعاية الله
بقلم :
آية حسنى